إمرأة من جهنم….تقتل زوجها وتدفنه في منزلها
مرتيل / يونس احمد احناش
في هذه المدينة الهادئة، النائمة على ضفاف المتوسط، لم نألف مثل هذه القصص الغريبة.. لكنها حدثت.. و صارت الحكاية على كل الصفحات المحلية .. و على جميع الألسنة.. و الفضول.. و الذهول.. سيدا الموقف.. و مازالت الكثير من الخيوط متشابكة.. غامضة.. مجرد تخيلها يروع القلوب.. و يحير العقول.. و يجعل الناس تنتظر ماذا سيسفر عنه الغد؟!!
هنا بمرتيل، في الجانب النائم بهدوء على ضفاف الوادي المالح.. حيث تقطن أسرة بسيطة.. كبساطة أغلب سكان هذه المدينة.. الزوج يمتهن البناء.. و ربما الصباغة حسب ما يحكون.. و الأم ربة بيت.. و الأبناء ثمرة الزواج.. و زينة البيت و روائه..
سنة 2012 يحدث أمر غريب ضرب استقرار هذه الأسرة البسيطة.. اختفى الزوج دون سابق إنذار.. انتظرت الزوجة عودة زوجها دون فائدة.. أولادها يبكون حولها.. احترق فؤادها من هذا الغياب المفاجئ.. بلغت الأمن لتعميم البحث.. استعانت بالمنابر الإعلامية.. و وقفت تذرف الدموع الحارقة أمام كاميرا القناة الثانية خلال برنامج ( مختفون).. كان كل أملها أن تجد زوجها.. أن يعود الدفء لأسرتها.. و أن تنام قريرة العين بوجوده إلى جانبها.. و أن يحمل معها هم الحياة.. و هم أولادها الذين صاروا في طور المراهقة.. و تضع رأسها على كتفه فتنسى كل ضغوطات أيامها!!
لكن الزوج لم يظهر له أثر.. توالت الشهور.. و توالت السنين.. و الزوج مختف.. دون أثر.. دون سبب.. دون أي سبيل يوصلها إليه.. و مع ذلك لم تفقد الأمل في عودته المستحيلة.. فقد دأب الجيران أن يرونها تذهب بين الفينة و الأخرى كسيرة القلب إلى قسم الشرطة.. تسأل بلهفة المشتاق المستهام إن كان هناك خبرا جديدا عن اختفاء زوجها.. ثم تعود مثقلة بالحزن إلى بيتها البارد.. الحزين!
لم تنته مأساة هذه الأسرة هنا.. لا،
ابنتها.. توفيت من سنة.. يقولون أنها انتحرت عن طريق تجرع سم الفئران!!!
و زاد الطين بلة أن ابنها اختفى هو الآخر.. لم يظهر منذ مدة.. غاب عن أعين المقربين.. و افتقده أصدقاؤه.. و لم يعرف أحد أين يمكن أن يكون؟!
رثى الجيران لحال جارتهم المكلومة.. عيونها حزينة.. تفقد أحبابها الواحد تلو الآخر.. أي قلب سيتحمل كل هذا الوجع؟! أي قلب سيتحمل حجم هكذا فقد .. هكذا غياب و عذاب ؟!!
بالأمس، لاحظ الجيران وجود رجال الأمن و الشرطة بشكل مكثف عند باب جارتهم الحزينة.. هالهم ما رأوا.. لقد كان الأمن يسحب المرأة المكلومة إلى قسم الشرطة.. و قد علم الناس بعد ذلك أن هناك تحقيقا كبيرا يجرى مع هذه الزوجة المهمومة.. المغمومة.. الكئيبة.. و تهامس الناس على وجل.. ترى ما الذي يحدث؟!!
و صباح اليوم، رأى الجيران مرة أخرى.. جمع كبير من رجال الأمن.. مرفوقين بالعمال و معدات الحفر.. و أمام أنظار الناس و مراسلي الصحف.. كانت الزوجة الحزينة تخطو تحت مراقبة الشرطة إلى فناء بيتها.. تجر قدميها جرا.. و بأصابع مرتعشة.. تشير لهم إلى البئر الذي ردمته على أم رأس زوجها الذي قتلته بيديها منذ أزيد من عشر سنوات مضت!!!
فعلا،
عند الحفر.. كان الرفاة هناك.. عظام زوجها النخرة كانت طوال السنين الماضية تنام في البئر.. على مسمع من دقات قلبها الملتاعة.. و على مرأى من دموعها التي تهرقها عندما يزورها الأحباب و يربتون بأسى على كتفها مواسين.. يا لها من امرأة معذبة مسكينة!!!! تمزق القلب.. و ترأف لحالها الضلوع!!
اعترفت الزوجة أنها هي القاتلة!!
القاتلة التي كانت تنام قريرة العين و جثة زوجها راقدة في دمائها على بعد خطوات من سريرها.. تكاد تسمع حفيف الدود و هو ينهش في اللحم المسجى.. لحم من أفضت إليه في يوم من الأيام.. و أفضى إليها.. و أنجبت منه.. و سكن إليها!!!
مازالت دوافع قتل الزوج مجهولة.. و مازال سر اختفاء ابنها مجهولا أيضا.. و صار انتحار ابنتها أيضا يطرح عدة تساؤلات على مواقع التواصل و على المنصات الالكترونية و بين الناس في الأسواق و البيوت و الشوارع.. الكل يتحدث اليوم عن هذه القصة الغريبة التي كانت بمثابة صدمة للساكنة.. و الجميع مازال ينتظر حل لغز اختفاء الابن.. هناك شكوك كبيرة لدى الناس أنه لقي مصير والده المغدور.. نتمنى أن تكون هذه الشكوك و الظنون ليست في محلها.. و أن يكون الابن مازال حيا يرزق.
جريمة بشعة لا نعرف دوافعها.. و لا أسبابها.. و أي شيء يمكن أن يدفع امرأة لقتل زوجها؟! و استغفال الناس و السلطات لكل هذه السنوات الطوال إلا أن تكون تعاني من خبل.. أو فصام.. و ربما دوافع نفسية تفوق تصورنا و جميع ما يمكن أن ينسجه خيالنا عن أسباب ما حدث؟!!
غدا، أكيد ستكون هناك إجابات عن هذا اللغز الكبير.. و تفاصيل أكبر عن سراديبه الغامضة.. و نثق تماما بكفاءة رجال الأمن في معرفة ما خفي عنا.. و تنوير الرأي العام الذي اهتزت مشاعره هزا هذا اليوم.. و مازلنا لحد الآن نخشى أن تكون هذه المرأة امتدت يدها لأرواح أولادها أيضا.. نسأل الله خيرا.. و إلى أن يفك اللغز.. لا يسعنا إلا أن ندعو بالرحمة لمن مات.. و أن يظهر الفتى الغائب.. و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.