جريدة ورقية إلكترونية تهتم بأخبار المغرب

مأساة الشباب الذين يموتون أثناء العبور إلى سبتة المحتلة

ترجمة سعيد المهيني بتصرف

على الشاطئ المغربي لمضيق جبل طارق، تلقي الأمهات بملابس الحداد صلواتهن في البحر. تختلط دموعهن بزبد الأمواج التي تعيد أجسادًا هامدة في تأرجحها القاسي. إنها الدراما الصامتة التي تتكرر مراراً وتكراراً: شباب يدفعهم اليأس وبصيص أمل، يغوصون في المياه الغادرة بحثاً عن مستقبل عن الفردوس المفقود لا يستطيع الجميع العثور عليه. في كثير من الأحيان، الشيء الوحيد الذي يجدونه هو الموت.

ونقرأ في الصحافة قصصًا تعكس الألم واليأس الذي تعيشه بعض العائلات. تحكي عائشة، والدة شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، كيف وعدها ابنها بالعودة بالمال بعد السباحة عبر سبتة. “أراد فقط مساعدتنا. قال إنه فعل ذلك من أجلي ومن أجل إخوته الصغار. والآن، ليس لدي سوى ذكرى ابتسامته وهذا الفراغ الذي لن يملأه أبدًا. شهادة أخرى تأتي من عائلة في العرائش، تمكن ابنها البالغ من العمر 21 عاما من جمع المال لشراء بدلة غطس وعوامة، معتقدا أنهما سيكونان كافيين لعبور المياه الغادرة. “قلنا له أن ينتظر، وأننا سنبحث عن حل آخر، لكنه لم يرغب في الاستمرار في مشاهدتنا ونحن نجوع. ويقولون بالدموع : “لقد غادر ولم يعد أبدًا”.

وفي بعض الحالات، تكون المأساة مفجعة أكثر: فالجثث التي عثر عليها في البحر أو على الساحل هي جثث أطفال. الأطفال مدفوعين بيأس عائلاتهم أو بغريزة البقاء الخاصة بهم، يحاولون العبور بمفردهم، ويحلمون بمستقبل أفضل. غالبًا ما يكونون قاصرين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، وهم أصغر من أن يفهموا تمامًا مخاطر المضيق، لكنهم يائسون بدرجة كافية للمخاطرة بحياتهم.

وتتناقض مأساة أولئك الذين فقدوا حياتهم مع قصص أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى أوروبا وتغيير مصيرهم. وفي كثير من الحالات، تكون هذه القصص هي القوة الدافعة التي تدفع الشباب الآخرين وحتى الأطفال إلى تجربتها. “لقد عبر ابن الجيران قبل ثلاث سنوات، وهو الآن يرسل الأموال بشكل منتظم؛ والآن يضطر إلى إرسال الأموال”. “لديه سيارة جديدة ويقوم ببناء منزل”، هذا ما يُسمع في العديد من الاحياء ببعض المدن المغربية . إن قصص النجاح هذه، سواء كانت حقيقية أو مثالية، تعمل على تغذية أمل أولئك الذين ينظرون إلى أوروبا باعتبارها فرصتهم الوحيدة للتقدم. ومع ذلك، لا يتمكن الجميع من التقدم في محاولتهم. ويتم اعتراض العديد من الشباب وبعض الأطفال من قبل الشرطة المغربية قبل الوصول إلى الساحل أو من قبل الحرس المدني الإسباني وهم في طريقهم إلى سبتة المحتلة . ورغم أن هذه الاعتقالات تهدف إلى وقف تدفق الهجرة، إلا أنها تترك أولئك الذين يحاولون القيام بذلك في حالة ضعف شديد. وكثيراً ما يواجه العائدون عودةً مشحونة بالإحباط واليأس، مع وجود بدائل قليلة أو منعدمة.

لماذا يقرر طفل صغير جدًا المخاطرة بحياته في مثل هذه الرحلة الخطيرة؟ الأسباب التي نعرفها واضحة: الفقر المدقع، وانعدام الفرص، والضغوط لمساعدة أسرهم. بالنسبة للكثيرين، البقاء يعني الحكم على أنفسهم بحياة البؤس. تبدو الرحلة، على الرغم من خطورتها، بمثابة إمكانية للتغيير، مدفوعة بقصص أولئك الذين تمكنوا من المضي قدمًا. هؤلاء الشباب والأطفال، الذين غالبًا ما يعملون في وظائف مؤقتة، يطلبون المساعدة من معارفهم أو ببساطة يجمعون القليل الذي لديهم، ويتمكنون من شراء بدلات الغوص أو العوامات أو سترات النجاة، مقتنعين بأن هذه الأدوات ستكون كافية للعبور. لكن مياه المضيق الباردة والتيارات القاتلة والإرهاق الشديد أو القوات الأمنية التي تعترضها، تشكل عقبات لا يمكنهم التغلب عليها دائما.

ولا يبقى الألم فقط في عائلات الذين فقدوا حياتهم في هذه المحاولة. أولئك منا الذين يعيشون على الشاطئ الآخر، في سبتة، يعانون أيضًا في صمت. نشعر بثقل هذه المآسي في كل مرة نواجه فيها أخبارًا مفجعة في الصحافة المحلية، التي تنشر يوميًا تقريبًا تقارير عن العثور على جثث في البحر أو على سواحل سبتة أو الفنيدق البعض منا رأى بأم عينيه قسوة هذا الواقع: أجساد هامدة تبدو عائمة تجرها الأمواج إلى الشواطىء . في بعض الأحيان تكون هذه الجثث صغيرة، أجساد أطفال انتهت حياتهم القصيرة مبكرًا في محاولة يائسة للهروب من البؤس. إنها صور من المستحيل نسيانها، وعلامات تبقى محفورة في قلب مجتمع، على الرغم من أنه لا يستطيع تغيير مصير هؤلاء الشباب، إلا أنه يبكي بصمت على حياتهم المفقودة. إن كل جثة يتم العثور عليها هي بمثابة تذكير وحشي بأن البحر الذي يوحدنا هو أيضًا هاوية مميتة تفصل الأحلام عن الواقع والحياة عن المآسي.

سواحل سبتة المحتلة هي مسرح للأحلام المحطمة والحياة المبتورة. كل جثة يتم انتشالها من البحر تحمل معها قصة تضحية وأمل وألم. إنها مأساة تتطلب اهتمامنا وعملنا. ولا يكفي تعزيز الحدود أو القيام بدوريات على السواحل. ومن الأجدر الاستماع إلى هذه القصص والتصرف وفقًا لها: توفير فرص حقيقية للعمل بمدنهم و تحسين ظروفهم الاجتماعية ، وتسهيل الطرق القانونية للهجرة والتثقيف وحملات توعوية حول مخاطر الهجرة السرية و الارتماء في البحر . بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نمنع البحر، الذي ينبغي أن يكون رمزا للحياة، من الاستمرار في مشاهدة مآسي إنسانية لا ينبغي لأحد أن يتعرض لها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.